المعمودية وغفران الخطايا

كلمة الله نعرف أن الرب يسوع، وحده، هو الذي يقدر أن يغفر الخطايا، لأنه هو الله. لذا قال بطرس الرسول عنه أنه “يعطى إسرائيل التوبة وغفران الخطايا” ( أع31:5). وقال أيضاً “له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا” (أع43:10). ويقول الرسول بولس عنه: “الذي فيه لنــا الفداء بدمه، غفران الخطايا” ( أف7:1). وقال أيضاً للمؤمنين في كولوسي: “..كما غفر لكم المسيح..” (كو13:3). وقال الرسول يوحنا “أكتب إليكم أيها الأولاد، لأنه قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه” (ايو12:2). وقال الرب عن نفسه: “لابن الإنسان سلطان على الارض أن يغفر الخطايا” (مر10:2). لذلك قال للمفلوج “مغفورة لك خطاياك” (مر5:2). وقال للمرأة الخاطئة التي جاءت إليه وهو فى بيت سمعان الفريسي: “مغفورة لك خطاياك” (لو48:7). وقال لتلاميذه بعد القيامة: “هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدأ من أورشليم” (لو46:24-47). وقال لشاول الطرسوسي عندما أرسله للكرازة: “حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا” (أع17:26-18).

فهو له الحق أن يغفر الخطايا لأنه هو الله، ولأنه حمل خطايانا في جسده على الخشبة، وأُسلم لأجل خطايانا، وسفك الدم الكريم لفدائنا ولغفران خطايانا. والوسيلة الوحيدة للحصول على الغفران هى الإيمان باسم يسوع والاحتماء في دمه الكريم. رغم هذا الحق الواضح لكن وردت عبارة في سفر الأعمال سببت بعض التساؤلات عند البعض، وهي ما قاله حنانيا لشاول الطرسوسي: “أيها الأخ شاول أبصر.. والآن لماذا تتوانى، قم واعتمد واغسل خطاياك داعيا باسم الرب” (أع 13:22-16). والسؤال هو: ألسنا نرى في هذه العبارة أن غفران الخطايا متعلق بالمعمودية؟ فالجواب هو لا يمكن أن يتم غسل الخطايا مرة واحدة وإلى الأبد بالمعمودية، فالغسل يتم بالدم فقط، “وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عب22:9 )، لذلك جاء القول عن الرب “الذى أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان الى أبد الآبدين” (رؤ5:1،6). فالذين كانوا في بيت كرنيليوس غُفرت خطاياهم بالإيمان بعمل المسيح، والدليل على ذلك هو حلول الروح القدس عليهم قبل معموديتهم، وذلك بمجرد أن قبلوا الأقوال التي تكلم بها بطرس، والتي ختمها بالقول: “له (أي للمسيح) يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا” (أع 43:10-46). وكذلك اللص التائب ذهب الى الفردوس بدون معمودية (لو 43:23). هذا ومن جانب آخر، لو كانت المعمودية تغفر الخطايا، لكان بالأولى سيمون الساحر – الذي اعتمـد بالماء – قد نال غفراناً لخطاياه، ولكن خطاياه كانت لا تزال باقية عليه لأن إيمانه لم يكن مقروناً بالتوبة القلبية. لذلك قال له بطرس الرسول: “تُب عن شرك هذا واطلب إلى الله عسى أن يغفر لك فكر قلبك، لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم” (أع 13:8،22، 23). لقد كان إيمانه عقليا، لهذا اندهش مما رآه من معجزات فُعلت باسم الرب يسوع.

لقد تغير شاول الطرسوسى وولد من الله، لحظة ظهور الرب له وهو فى الطريق إلى دمشق، ولم يعاند الرؤية السماوية (أع 19:26). وصار إنساناً جديداً مؤهلا للسماء، والعلامة التي أعطاها الرب لحنانيا والتى تثبت صحة إيمانه كانت: “هوذا يصلي“، ولذلك عندما ذهب اليه حنانيا وفى أول لقاء معه قال له: “أيها الأخ شاول“. لقد تصالح شاول مع الله عندما تاب وآمن، لكن من يعلم ذلك من اليهود أو من المؤمنين أنفسهم؟ لقد كان معروفا عنه أنه مقدام وزعيم فى ذلك الوقت (اع11:26-13). فهو حتى مجيء حنانيا إليه كان يُعتبر من الأمة الرافضة والمقاومة للمسيح، ومن المعروف انه كان راضياً بقتل استفانوس أول شهيد في المسيحية ( أع1:8). كما انه كان يسطو على الكنيسة، وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساءً ويسلمهم إلى السجن (أع3:8). ولحظة تقابل الرب معه كان لم يزل ينفث تهدداً وقتلا على تلاميذ الرب، حتى أن الغرض الذي لأجله كان مسافراً إلى دمشق هو: “إذا وجد أناساً من الطريق رجالا ونساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم” (أع9: 1،2). لذلك كان لابد له أن يعتمد بالماء ليعلن رسمياً انفصاله عن هذا العالم والأمة التي صلبت المسيح، ويشهد أيضاً بارتباطه بالمسيح.

والعبارة الثانية التي تثير التساؤل أيضاً هي: “فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع لغفران الخطايا” ( أع 37:2 –38 ). فبعد أن كرز الرسول بطرس بالمسيح فى يوم الخمسين لليهود، كانت النتيجة أنهم سألوا قائلين: “ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟” ( أع 37:2 ). أي ما هو التصرف، أو ما هو المطلوب منا ونحن قد قتلنا المسيح صلباً؟ فكان الجواب من الرسول بطرس بأن يتوبوا توبة حقيقية عملية، ويقبلوا المسيح في حياتهم رباً ومسيحاً، معلنين هذا من خلال معموديتهم باسم المسيح، فيعلنوا بذلك انتهاء صلتهم بالأمة التي صلبت المسيح، وخضوعهم لسلطان وسيادة المسيح، وبهذا يمكن أن تغفر خطاياهم ويقبلوا عطية الروح القدس ( أع38:2).

هذا ومن جانب آخر فإن العـبارتين السابقـتين {سواء الواردة في (أع 13:22-16)، أو في ( أع37:2-38)}، وبمقارنتهما مع الآيات السابقة، مثل: “وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا” (لو47:24)، والقول: “غُفرت لكم الخطايا من أجل اسمه” ( 1يو12:2)، والقول: “كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا” (أع 43:10)، والقول “وكل من يدعو باسم الرب يخلص” ( رو13:10). هذا فيض من العبارات التى نرى فيها أن غفران الخطايا مرتبط باسم يسوع وليس بالمعمودية، وإلا فإننا نسأل سؤالاً لابد منه: إذا كانت المعمودية تغسل الخطايا، فماذا عن الخطايا التى يرتكبها المؤمن بعد معموديته ؟!

حليم حسب الله عوض

أسيوط يوليو 1999